|
|
ربيع الشعوب 1945
نَويَز دويتشلاند (ألمانيا الجديدة) بقلم: المؤرخ
ستيفان دورنبرغ* ترجمة: جواد الساعدي
لم يجلب
شهر أيار عام 1945 النهاية لحرب الإبادة المفزعة فحسب،
إنما فتح الأمل في بداية جديدة للشعوب، بما فيها الشعب
الألماني. لقد كان ربيعاً للسلام والحرية. وبرغم الحزن على
الضحايا الذين كلفتهم الحرب حتى في أيامها الأخيرة بعد
نداءات الصمود الألمانية، فقد كنت آنذاك سعيداً. لقد
استطعت العودة الى مسقط رأسي برلين، كضابط في الجيش
الأحمر. في 22 حزيران 1941، يوم الهجوم الألماني على
الإتحاد السوفياتي، وبعد أيام قليلة من حصولي على شهادة
الثانوية، إلتحقت في موسكو طوعياً بالجيش الأحمر. بالنسبة
لي كان ذلك أمراً بديهياً، فقد أردت الدفاع عن حرية البلاد
التي منحتنا ،انا ووالداي، عام 1935 لجوءاً سياسياً. أنا
أنتمي لقلة من الألمان الذين التحقوا بالقوات المحاربة ضد
التحالف الهتلري. مساهمتنا في النضال العادل من أجل الحرية
كانت متواضعة ولكن لا يجوز التغاضي عنها. بالصدفة كنت
أول العارفين بانتحار هتلر، وتلقيت نبأ موته دون إكتراث،
ففي أوروبا المحررة لا يمكن أن يكون له مكان. على العكس من
ذلك بدا لي مثيراً للإهتمام أمر الجنرال "فايد لنغ" الذي
صدر في الثاني من أيار 1945 وأعلن فيه استسلام ألمانيا،
حيث علّل ذلك بأن "الزعيم" ترك جنوده في محنة، لذلك فانهم
في حل من القسم. برغم ذلك كنت سعيداً عندما توليت إعلان
الأمر لوحدات الجيش الألماني عبر مكبرات الصوت في شوارع
برلين. أخيراً.. إنتهت هذه الحرب المفزعة. بالنسبة لي
فقد عنى يوم الثاني من أيار 1945 إنبلاج فجر جديد، لأن
عاصمة "المملكة الألمانية العظمى" ألقت السلاح. أمّا
التوقيع في الثامن من أيار على الإستسلام اللامشروط في
برلين، الذي كنت شاهد عيان عليه، فقد بدا لي أكثر من عمل
شكلي، حيث ثبّت الإنتصار المشترك للتحالف المعادي للنازية،
وذلك ما كان ملائماً بالنسبة لدولة إنطلقت منها حرب
الإبادة وفقاً لمخطط شاذ ومنحرف أرادت به القيادة السياسية
والعسكرية والإقتصادية الألمانية إعادة صياغة الواقع
الأوروبي والسيطرة المطلقة على العالم. مغزى الثامن من
أيار 1945 يتجاوز كثيراً مسألة التوكيد على "نهاية الحرب"،
فبهذا المصطلح المحايد الذي لا يفيد بأي معنى والذي تفضل
إستخدامه البلاغات الرسمية ووسائل الاعلام في جمهورية
ألمانيا الاتحادية، يجري التعتيم على لحظة النصر التاريخية
على الفاشية وعلى الإنجاز الكامل لتحرير كل الشعوب
الأوروبية. وكما اعتبرته من قبل، اعتبر اليوم هذا
التاريخ هو الأهم حتى الآن والأكثر تأثيراً في القرن
العشرين. تحالف الدول والشعوب المعادية لهتلر أنقذ الحضارة
الإنسانية من السقوط في الهمجية. فلو تحققت خطط الإحتلال
التي وضعتها الفاشية الألمانية وأركانها-وهذا الخطر كان
قائماً- لهلكت أوروبا على الأقل، ولهدد المصير الأسود ليس
الشعوب المستعبدة وحدها أو الشعوب التي أريد لها الإبادة
في الايديولوجية العنصرية النازية. "الحل النهائي
للمسألة اليهودية" كان البداية فقط، ولا أرغب حتى في
التصور ذهنياً كيف يمكن أن تكون النهاية في هذه الحال.
لا يختلف العالم على أن الاتحاد السوفياتي، كدولة إنبثقت
عن ثورة أكتوبر عام 1917 قدّم المساهمة الحاسمة في إنقاذ
الحضارة الإنسانية، وهذا أمر أيضاً لا يجوز أن يطويه
النسيان. الشعوب الأوروبية وخصوصاً أولئك الناس في
الاتحاد السوفياتي وفي بولونيا ويوغوسلافيا استمروا يعانون
بشكل حاد من عواقب وتأثيرات الحرب بعد نهايتها، وما يعيب
أكثر ان تتهم الصحف المحلية هناك قبل كل شيء الضحايا
الألمان الذين هم بالنهاية ضحايا النظام النازي وجنرالاته
المطيعين. كأغلب الناس راودني الأمل في أيار 1945 بسلام
مستقر وان تُنبذ الحروب وتُستبعد عن السياسة. في أوروبا
إنتصر السلام طويل الأمد برغم الحرب الباردة، ، لكن
استخدام القوة العسكرية والتهديد بها يشهدان اليوم عودة
مذمومة.
*
ستيفان
دورنبرغ: مؤرخ وسفير سابق مولود في عام 1924 يعيش حياته
الآن في برلين.
|
|
|