قصة تنظيم القاعدة وأسلحة الدمار الشامل
أكثر من مخيلة
خبيثة
تحقيق: أورس غيرغر Urs gehriger
ترجمة: جواد
الساعدي
عن: فيلت فوخّة (أسبوع العالم)
التحقيقات التي
أجرتها "فيلت فوخّة" في أفغانستان وباكستان أشارت الى أن أسامة بن
لادن عزز ترسانة الرعب التي يمثلها بمواد إشعاعية. جميع الدلائل
والإشارات تذهب إلى أن القاعدة تملك "القنبلة القذرة" وإن الهجوم
النووي لم يعد موضع شك، فالسؤال المطروح ليس: هل؟ إنما متى وأين
سيقع؟
بدأ صباح الحادي عشر من إكتوبر 2001 بالنسبة للرئيس
بوش كما هو في كل يوم. في السابعة صباحاً جلس أمامه مدير وكالة
الإستخبارات الأمريكية جورج تينت وتلا له موجزالتقرير اليومي
للمخابرات. كلما أطال تينت الكلام كلما اهتزت اكتاف جورج دبليو بوش
بعصبية أكثر، فبالمقارنة مع ما شرحه مدير السي آي أيه أضحت الهجمات
الإرهابية على واشنطن ونيويورك بالنسبة له مجرد مقدمة الجحيم.
أحد عملاء السي آي أيه الذي يحمل الإسم السري Dragonfire أبلغ
واشنطن بأن "إرهابيي القاعدة يملكون قنبلة نووية زنة 10 كيلوطن،
يرجح أنها سرقت من إحدى الترسانات الروسية" ووفقاً ل Dragonfire
فان القنبلة توجد الآن على الأراضي الأمريكية وتحديداً في مدينة
نيويورك.
لم يكن لدى السي آي أيه يومها أي مصدر آخر للتأكد من
التحذير الذي أرسله Dragonfire ، ولكن أيضا ليس لديها مايثبت
العكس، لذلك تقرر إبقاء الأمر سرياً كي لا يوضع سكان نيويورك في
حال من الفزع. وهكذا لم يتم حتى إبلاغ عمدة المدينة رودولف جولياني
بذلك، وجرى إجلاء نائب الرئيس ديك تشيني من واشنطن خشية أن يكون
لدى القاعدة قنبلة أخرى في العاصمة، فلو صح ذلك على سبيل الفرض
ووجه الإرهابيون ضربة نووية قاصمة للحكومة سيستطيع تشيني ضمان
إستمرار الحكومة من مكان غير معروف.
خبراء البيت الأبيض في شؤون
الإرهاب راجعوا قائمة من التساؤلات: هل يوجد في الترسانة الروسية
عدد كبير من القنابل النووية زنة 10 كيلوطن؟ نعم. هل يسيطر الروس
على كافة أسلحتهم النووية؟ لا. هل بإمكان القاعدة أن تسرق قنبلة أو
عدة من هذه القنابل؟ مبدئيا، نعم.
أخيراً، هل من الممكن تهريب
أسلحة نووية عبر النقاط الحدودية إلى داخل الولايات المتحدة؟
الخبراء المختصون يهزون رأسهم بالأيجاب ويقولون أن 18 مليون حاوية
تدخل الولايات المتحدة سنوياً. 3% منها فقط تفتش على الحدود.
وبقليل من الدعابة المرة علق أحد الخبراء قائلاً: "لعل الأرهابيين
خبأوا القنبلة في بالات الماريوانا" التي تهرب بشكل منتظم إلى داخل
المدن الكبرى في الولايات المتحدة.
فيما بعد تبين أن معلومات
Dragonfire كانت غير صحيحة، لكن لاأحد تقريباً من الخبراء إستطاع
النوم بهدوء في الأسابيع التي تلت ذلك. فما جرى أظهر للسلطات بأن
أمريكا ليست آمنة حيال هكذا سيناريو مرعب: هجوم إرهابي بأسلحة
نووية!
في الأشهر التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يعتقد
أحد بأن الهجمات على مركز التجارة العالمي وعلى البنتاغون كانت
أحداثاً منعزلة. الأجهزة السرية أجهدت نفسها في البحث عن "فردة
الحذاء الأخرى" وبمحاولة الإجابة على الأسئلة التالية: متى وأين
ستضرب القاعدة ضربتها وما هو نوع الإعتداء القادم؟ وفي مقدمة
القائمة كان هناك ثلاث سيناريوهات رعب كبيرة: إما هجوم بأسلحة
نووية أوآخر بكيمياوية أو ثالث تستخدم فيه البيولوجية. وأضيف إلى
ذلك خطررابع محتمل هو إستخدام القنبلة القذرة. (Dirty Bomb)
كبعبع رهيب جرى تداول هذا المصطلح بين وسائل الإعلام المختلفة منذ
عدة سنوات. وخطأً كان أحياناً سلاح الأرهابيين هذا، والذي لايعرف
عنه الكثير، يوصف بأنه شقيق السلاح النووي، فبخلاف القنبلة النووية
لاتولّد القنبلة القذرة سلسلة إنفجارات إرتدادية متعاقبة، وهي ليست
سلاح دمار شامل، بل سلاح تخويف شامل، وتأثيرها يستهدف إثارة الخوف
والرعب لدى الناس والتسبب في تلوث طويل الأمد. أما عدد الضحايا
الذين يسقطون فهو منخفض نسبياً.
قبضة من السيزيوم
بقليل من المواد وقليل من الإنفاق وبدون معرفة متخصصة قد يستطيع
الإرهابيون تصنيع القنبلة القذرة. الإرشادات لهذا الغرض موجودة على
شبكة الإنترنيت. خمس كيلوغرامات من المواد المتفجرة تخلط مع سيزيوم
مشع بقدر قبضة اليد ويأخذ سوء الحظ مجراه. قليل من الناس ربما
سيموتون مباشرة في الإنفجار، ولكن الكثيرين سيلوثون بالإشعاعات،
أما الأثر الفعلي الذي يقصده الإرهابيون فأنه سيظهر فيما بعد: خوف
شامل، تهديدات مستمرة في كل مكان، خسائر إقتصادية وأخطار جمة
لايمكن رؤيتها.
في آذار الماضي قال الأمين العام للأمم المتحدة
كوفي عنان:" أحذر من الإستهانة بالأرهاب النووي والتعامل معه وكأنه
من وحي الخيال العلمي" ووضع بند مكافحة التجارة النووية في مقدمة
خطته لمكافحة الإرهاب، والتي تتكون من خمس نقاط.
هذا التحذير
جاء متنافراً مع ظنون الناس، فبعد ثلاث سنوات ونصف على هجمات
الحادي عشر من سبتمبر ظنوا انهم قد أصبحوا في أمان، وغالباً ما
كانت السلطات تطلق التحذيرات لكنه لم يحصل شيء على الإطلاق
تقريباً. أضف إلى ذلك فأنه قبل الحادي عشر من سبتمبر عندما كانت
القاعدة تضرب فأن ضرباتها صغيرة نسبياً وموزعة على كل أنحاء الكرة
الأرضية.
إذاً؛ هل كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر كارثة
لاتتكرر؟ أم هل أن القاعدة انتقلت من إستراتيجيتها المعتادة الى
إحدى إستراتيجيات "وخز الأبر"
لكي نستطيع تقدير الموقف فأنه من
المفيد أن نستقرئ طريقة تفكير زعيم الإرهابيين. آلاف المقالات
والتحليلات والكتب سطرت عن إبن لادن، ولكن القليل منها إستطاع
النفاذ الى الدائرة الضيقة لأصحاب النفوذ في القاعدة.
"فيلت
فوخّة" تمكنت مؤخراً من الحديث مع رفيق درب سابق لإبن لادن. في محل
تفصيل وخياطة أفغاني في كراتشي روى لنا ملاّ حبيب، مدير المخابرات
العسكرية في عهد طالبان، كيف كان شاهداً على إحدى اللقاءات
التاريخية.
قندهار، اوائل سبتمبر 1988، في مقر قيادة إبن لادن
إلتقت مجموعة من كبار النخبة حول طاولة الغداء. إلى جانب زعيم
الإرهاب جلس مساعده المصري أيمن الظواهري ومحمود عاطف القائد
العسكري للقاعدة، وإليهم إنضم قائد طالبان الملاّ عمر الذي ساد
وجهه غضب ظاهر. بوضوح كان الملا عمر حظّر على إبن لادن اللقاء مع
الصحفيين دون موافقته، لكن الأخير ضرب ذلك عرض الحائط وأجرى لقاءً
إعلامياً مع مجموعة من الصحفيين تم انتقاءهم بعناية، وذلك في أعالي
جبال إفغانستان.
"أنت أو أنا" قال الملا عمرموجهاً كلامه
إلى إبن لادن في نبرة تهديد. وأضاف:"أفغانستان ليس فيها مكان
لأثنين من القادة"
إبن لادن الذي يتمتع في إفغانستان بحق
الضيافة لدى طالبان، إعتذر ووعد بالتصحيح. بعد تناول الغداء المكون
من الفاصولياء ولحم الخروف وشوربة اللحم ومن الشمام- وهي الأطعمة
المفضلة عند إبن لادن- هدأت نفس الملا عمر تدريجياً، ثم جرى النقاش
حول صواريخ كروز التي أطلقها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على
معسكر إبن لادن في خوست كرد إنتقامي على هجمات شرق أفريقيا لكنها
لم تصب الزعيم الإرهابي. الملا عمر أبدى إعجابه بالتكنولوجيا
الأمريكية وعبر عن أمنيته في أن يرى أسلحة حديثة في ترسانة طالبان.
هنا قاطعه المخطط الإستراتيجي للإرهاب محمد عاطف قائلاً: "نحن نخطط
لضربة ضد اليهود وأتباعهم" وأضاف:"إذا ساعدنا الله سنمتلك قريباً
أسلحة خطيرة تلقن الكفار درساً"
يقول الملا حبيب:"كانت هذه هي
المرة الأولى التي أسمع فيها عن مشروع كبير للسلاح لدى القاعدة"
ويضيف:"بعد الغداء توجه الجمع إلى المدينة بسيارة عاطف البيك أب
الحمراء. خلال الطريق دخل العسكري الإستراتيجي الى عمق فكرته في
–القضاء- على اليهود والأمريكان":
"الطريق الوحيد هو السلاح
البيولوجي والكيميائي والنووي، إن شاء الله قريباً ستكون المواد
لدينا" ثم اكمل الظواهري قائلاً: "لقد بدأنا مسبقاً بإنشاء مختبر
لهذا الغرض وبدأنا العمل فيه"
لم يظهر الملا عمر إهتماماً خاصاً
بالأمر وقال:"أنا لاأعرف في هذه الشؤون وليس لدي فكرة عن تكنولوجيا
السلاح، واصلوا سعيكم ونرجو من الله أن يوفقكم بالنجاح"
في
أغلب الأحيان يوصف إبن لادن بأنه شديد الولع بالسلاح. يقال أنه
أنفق منذ عام 1996 أكثر من ثلاثة ملايين دولار لشراء قنبلة-حقيبة
نووية من موجودات الأسلحة السوفيتية. في عام 1998 نقل بعض العملاء
الروس بأنه حصل من الجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا على سلاح
نووي تكتيكي، وقد قدروا السعر بثلاثة ملايين دولار وطنين من
الهيرويين بقيمة سبعين مليون دولار. ثبت فيما بعد أن ذلك كان مجرد
صفقة لم تتم. في بداية التسعينيات اشترى في السودان إسطوانة يفترض
أنها كانت معبأة باليورانيوم المعد للإستعمال، لكنه تبين أن
الإسطوانة كانت مزورة، كما أفادت بذلك لجنة الحادي عشر من سبتمبر
في تقريرها الختامي في العام الفائت. لقد تلقى صفعة على أذنيه.
إلى أي مدى تقدم البرنامج النووي للقاعدة؟
كاتب سيرة إبن
لادن الصحافي الباكستاني حميد مير سنحت له الفرصة ليطرح هذا السؤال
على الزعيم الإرهابي شخصياً، فبعد أسابيع قليلة من أحداث الحادي
عشر من سبتمبر إتصل به إبن لادن من مخبئه لأول مرة بعد الأحداث وفي
رحلة دامت عدة ساعات بالسيارة وبعيون معصوبة نٌقل حميد مير إلى إبن
لادن الذي قال له ما يلي:
"لقد سمعت بالأمس كلمة الرئيس
الأمريكي بوش. لقد خوّف الأوروبيين بقوله لهم أن أسامة يريد
مهاجمتهم بأسلحة دمار شامل. أريد التأكيد بأننا ربما سنرد بالمثل
فيما إذا استخدم الأمريكيون ضدنا أسلحة كيمياوية أو نووية. نحن
نمتلك مثل هذه الأسلحة، ولكن للردع"
هل يناور ويخدع إبن
لادن؟
الرجل الذي ربما يعرف الجواب على ذلك هو سلطان بشير الدين
محمود، الخبير الباكستاني في تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم. في آب
2001 كان برفقة زميله عبد المجيد ضيفاً على ابن لادن في مقر
قيادته. ثلاثة أيام متواصلة استعلم واستفسر ابن لادن ونائبه
الظواهري من هذين العالمين عن كل ما يتعلق بالاسلحة النووية. قيادة
القاعدة اختارت سلطان بشير الدين محمود بسبب معارفه التخصصية
ومعتقداته واتصالاته، فهو لم يكن مجرد شخصية رئيسية في البرنامج
النووي الباكستاني وعلى علاقة بعبدالقدير خان "أبو القنبلة
الإسلامية" إنما كان عضواً فاعلاً في مجموعة راديكالية هي حركة
المجاهدين، كان إسلاميا وضع كل تعصبه الديني في مهنته.، فوفقاً
لقناعته فإن القنبلة النووية الباكستانية ملك لكل العالم الإسلامي،
بمعنى أدق لكل الأمة، لكل طائفة المؤمنين. عقيدة يشترك فيها مع
شخصية باكستانية أخرى لامعة، صديقه حميد غول الرئيس السابق
للإستخبارات الباكستانية.
غول، خان، إبن لادن: بين هؤلاء
يسود حقل من التجاذب يتكون من التعطش الى السلطة والمعرفة النووية
والعنف الإرهابي. وبين الثلاثة يتحرك سلطان بشير محمود كرسول ووسيط
ومساعد.
بخلاف سلطان بشير محمود الذي يخضع للإقامة الجبرية، فإن
حميد غول يضع نفسه بالتصرف للإجابة على أسئلة الصحافيين الغربيين
والحديث معهم. فالمتقاعد الأنيق يقيم في منطقة أمنية عسكرية في أحد
الأحياء الراقية في راوالبندي ويقدم نفسه كمضيّفٍ كريم ورجل
التقاليد الراقية. غول إستقبلني بين أشجار الزهور في حديقة قصره،
وأثناء تناولنا الشاي الأنجليزي والكعك أعطاني درساً صغيراً في
القشعريرة: "ليست هنالك قنبلة جيدة وقنبلة غير جيدة" قالها بصوته
الكاريزمي وأردفها بجملة أخرى وقعت علي كتحية من الجحيم: "ولكن
هناك إرادة للنجاة، من يريد النجاة عليه أن يتبع قانون الضرورة"
- جنرال لويتنانت غول، ماهي الأسرار التي أباح بها سلطان بشير
الدين محمود لإبن لادن؟
- "مابالك، أنت تمضي في الطريق الخطأ،
سفرات محمود إلى إفغانستان ولقاءاته هناك لاعلاقة لها بعمله
السابق. بكل بساطة أراد أن يساهم في تطوير تلك البلاد الفقيرة بأن
يقيم فيها طواحين"
- طواحين؟ وهل تباحث ثلاثة أيام مع إبن لادن،
لهذا الغرض؟
- نعم، الطواحين فكرة ممتازة ومساهمة جيدة في بناء
ذلك البلد المنهك، وأنا ساعدته في ذلك.
- بأستخدام علاقاتك مع
القاعدة؟
- أعتقد أنه لم يكن هناك لقاء بين محمود وابن لادن،
هذا هراء أمريكي. محمود استجوب على مدى ثلاث سنوات ولم يثبت شيئ.
إنه بريء
الرئيس السابق للمخابرات الذي يزعم أنه يستقي
معلوماته من الصحافة يلعب دور الجاهل. هو يعتبر من الآباء الحاضنين
لطالبان، لكنه أغفل هذا الدور بشكل مهذب في حديثه، كذلك مهمته
كمستشار للمعارضة الإسلامية الباكستانية التي تسيطر على السلطة في
إثنين من أربعة أقاليم. غول يتقن فن الكلام والدوران حول السؤال.
إنه ماهر.
- سؤال أخير: هل لدى إبن لادن قنبلة نووية أو "قنبلة
قذرة"؟
- كلا، كلا إبن لادن لايحتاج إلى قنبلة. وإذاكانت يداه
قد وصلت إلى واحدة من القنابل النووية فإن الأخرين ينظرون في
الاتجاه الخطأ. ليست باكستان إنما روسيا وأوكرانيا من ينبغي أن
يصوب نحوهما كهدف. هناك إختفت تسعة كيلوغرامات من البلوتونيوم عالي
التخصيب ولم يعثر لها على أثر. وربما اختفى أكثر من ذلك أيضا،
المرء لايحتاج في هذه الحالة إلا التزود بآليات إطلاق"
في
الثالث والعشرين من أكتوبر 2001 ألقي القبض على سلطان بشير الدين
محمود وجرى إستجوابه من قبل المخابرات الباكستانية بحضور مندوبين
من السي آي أيه. محمود زعم بأنه لم يقابل إبن لادن على الإطلاق،
لكنه سقط عدة مرات عندما عرض على جهاز كشف الكذب. غير أن ذاكرته
تحسنت عندما أبلغ ابنه سلطات التحقيق بأن إبن لادن إستفسر من والده
عن "كيفية إعداد قنبلة نووية، وعن أشياء أخرى" الآن بدأ محمود
يتكلم فقال:
"الأسلحة النووية بشكل خاص كانت تثير إهتمام ابن
لادن جداً" وأفاد بأن"معاوني ابن لادن عرضوا عليه مواد نووية زعموا
أنهم حصلوا عليها من الحركة الإسلامية في أوزبكستان وإنه أوضح لهم
بأن تلك المواد تكفي لأعداد قنبلة قذرة، ولكنها لاتكفي لصناعة
قنبلة نووية" وتابع القول بأن:"الظواهري إلتمس لديه المساعدة في
تجنيد العلماء الباكستانيين الذين يمكن أن يساعدوا القاعدة في
الإستشارة والحصول على اليورانيوم المعد للأستعمال في عملية بناء
القنبلة النووية" ولم يحدث أكثر من ذلك، فبعد شهرين على الرحلة
الأخيرة لمحمود إلى إفغانستان دخل الأمريكيون إلى هندكوش.
لكن ملف التحقيق مع محمود الذي وضع أمام الرئيس بوش توصل إلى نتيجة
مفادها أن هذا العالم الباكستاني الذي إدعى أنه ذهب إلى إفغانستان
لمساعدة الجياع، كان في الحقيقة قد زود القاعدة بمخطط لبناء قنبلة
نووية.
وإذا صدقنا إفادات محمود فإنه لا القاعدة حصلت على قنبلة
نووية ولا هو قام بمساعدتها على إنتاج واحدة. أما القنبلة القذرة
فبقي أمرها غامضاً إلى حد بعيد.
في أواخر التسعينيات هرّب
الأفغانيون والباكستانيون كميات كبيرة من المواد النووية من
جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابق. روبرت بوفر، وهو تاجر تحفيات
أمريكي يعرف السوق الباكستانية جيداً، أفاد كيف أنه أُدخل قبل عدة
سنوات إلى مستودع في بيشاور حيث كانت هناك العشرات من الحاويات
المملوءة بالمواد النووية مخزنة تحت الأرض. قال لمجلة
التايم:"هؤلاء الإفغان ليس لديهم أدنى معرفة بالنشاط الإشعاعي"
وأضاف:"إنهم يحملون حقائب صدر مملوءة بعلب ثقاب معبأة بمادة يقولون
عنها الكعكة الصفراء" (بودرة اليورانيوم)
لكن الخبراء
الأمريكيين في المنطقة كانوا قليلي الإهتمام بما كان يعرضه
المهربون ويقولون أن المهربات كانت عبارة عن نفايات مشعة سرقت من
المستشفيات ومن شحنات صناعية. غير أنه ليس كل المهربين يعملون هكذا
بشكل سطحي، فالوثائق التي وجدها الجيش الأمريكي والصحافيون في
نهاية عام 2001 خلال عمليات البحث في المباني الحكومية ومعسكرات
الإرهابيين والكهوف أثبتت بأن القاعدة أجرت عمليات مختبرية معمقة
في موضوع القنبلة النووية
إلى جانب الكراريس التي تم الحصول على
بعضها من الإنترنيت عثر على إرشادات وتوجيهات عن كيفية إستخدام
القنبلة القذرة بشكل فعال. المخابرات البريطانية استنتجت من
الوثائق بأن إبن لادن قرر عام 1999 إنتاج قنبلة قذرة. طالبان وفرت
له النظائر المشعة التي تم معالجتها في مختبر خاص أقيم في هيرات
غرب إفغانستان.
محطة البي بي سي وضعت الوثائق التي نشرتها
المخابرات البريطانية أمام خبراء مستقلين لتقييمها.
"إنها جديرة
بالتصديق" قال مصطفى علاني من معهد الخدمات الملكية المتحدة وأضاف:
"هذا برهان بأن القاعدة بذلت جهوداً كبيرة في جمع المعلومات
والمواد النووية اللازمة"
الجيش البريطاني والمخابرات
البريطانية MI5 ذهبوا في تحليلاتهم أبعد من ذلك: "القاعدة تملك
قنبلة قذرة" أين توجد هذه القنبلة؟ لاتعرف المخابرات البريطانية عن
ذلك شيئاً: "ربما هي في حيازة أحد خبراء الأسلحة الذين هربوا من
هيرات"
كنا نحمي قنبلة
هل تملك القاعدة قنبلة قذرة؟
إذا كان الجواب نعم فأين يمكن أن تكون؟ المؤشرات تقودنا إلى إقليم
القبائل في باكستان شبه المستقل ذاتياً، وبالضبط إلى جنوب
وزيرستان، حيث طارد الجيش الباكستاني في العام الماضي بضغط من
الولايات المتحدة أعضاء تنظيم القاعدة.
في آذار الماضي إلتحم
مقاتلوا القاعدة والباكستانيون في معركة دامت عدة ساعات حول بيت في
أحد المزارع هناك. الرئيس الباكستاني برويز مشرف قال أمام ال سي أن
أن: "طاردنا هدفاً ثميناً جداً" وهي جملة تستخدم عادةً للإشارة إلى
القادة الكبار في شبكة الإرهاب، لكن نيك محمود ، أحد المتعاطفين مع
القاعدة وزعيم شعبي في منطقة الحدود نفى ذلك وقال بعد المعركة: "لا
أسامة ولا أي من قادة القاعدة الآخرين أقام في هذا البيت" وأضاف
أمام عضو قبلي بارز آخر كانت "فيلت فوخة" تحدثت معه قبل شهر من
ذلك: "لم يكن هناك أحد، بل كانت هناك قنبلة كنا ندافع عنها" وكما
أوضح نيك محمود بدقة فأن الأمر يتعلق بقنبلة قذرة.
دليل آخر على
المكان المحتمل لوجود القنبلة القذرة يعود إلى عضو كبير في القاعدة
هو عبد الرحمن القادر، مصري يمول شبكة إبن لادن.
في أيلول2003
روى عبدالرحمن القادر لملا حبيب، رئيس إستخبارات طالبان الذي مر
ذكره، عن إثنين من القنابل القذرة، وذلك في محادثة جرت بينهما في
كراتشي:"القنبلتان من موجودات القاعدة وقد نقلتا إلى خارج
إفغانستان بعد الغزو الأمريكي عام 2001، واحدة نقلها مجاهدوا أواسط
آسيا إلى جورجيا، وأخرى نقلها الى تركيا حلفاء الزرقاوي الذي يشتهر
بشن هجمات مروعة وبقطع الرقاب في العراق."
إفادتا نيك محمود
وعبد الرحمن القادر لم يتم التحقق منهما، فالاثنان قتلا في
الهجومات الباكستانية على منطقة القبائل.
من حيث المبدأ فإن نقل
القنبلة القذرة إلى أهداف محتملة في أوروبا وأمريكا أمر يسهل
تنظيمه نسبياً، فحتى سلطات الحدود تؤكد بأن الإستيراد في حاويات
الشحن لا يشكل عائقاً جدياً لمهربي المواد النووية.
ولكن، هل كل
هذه الجهود ضرورية؟
الإرهابيون لايعتمدون على المواد النووية في
إفغانستان أو في باكستان، فحوالي مئة حالة من التجارة اللاشرعية
بالمواد النووية والمواد المشعة الأخرى أكدت وقوعها في العام
الماضي وحده الوكالة الدولية للطاقة الذرية. العشرات من طرق
التهريب بين آسيا وأوروبا اكتشفت في العقد الماضي، أكثر الطرق
استخداماً هو الطريق الذي يمر عبر القوقاز والبحر الأسود وخاصرة
اوروبا الجنوبية الشرقية. إضافة إلى ذلك فربما توجد إمكانية لشراء
مواد نووية في مكان الهدف المحتمل في أوروبا أو في أمريكا:
كوبال-60 سترونتيوم-90 سيزيوم-137 وإريديوم-192 وهي كلها مواد توجد
في آلات المعالجة بالأشعة والمولدات الكهرو-حرارية. لكن الحقيقة
التي تبقى مدهشة هي أن العالم لم يتعرض رغم ذلك وحتى الآن لمثل هذا
الهجوم. لماذا؟
رودولف آدم، رئيس الأكاديمية الأتحادية
السويسرية للسياسة الأمنية يحاول التوضيح: "إن المواد ذات النشاط
الإشعاعي قوية الإشعاع، وبسبب قوة إشعاعها يمكن التعرف عليها
وضبطها بسهولة. بالإضافة إلى ذلك فإن التعامل مع المواد المشعة
يشكل مخاطرة صحية كبرى بالنسبة لمن يريد الإعتداء". في أقله فإن
التعليل الثاني ضعيف لأن الأضرار الصحية هي آخر ما يمكن ان يثني
إنتحارياً عن فعلته
غالبية الخبراء اليوم حائرون، ماثيو
بون، الخبير النووي في هارفارد قال: "لا أستطيع أن أفهم الأمر"
توماس فريدمان، كاتب العمود في نيويورك تايمز أدلى برأيه منذ فترة
ليست بعيدة حين قال: "في الغرب يسود الهدوء الذي يسبق العاصفة،
فالإسلاميون وجدوا في العراق ميداناً جديداً للقتال، وحالما تهدأ
الحالة هناك، سينقلون جهدهم مرة أخرى الى أوروبا وأمريكا." ومن
الممكن الإضافة أيضاً بأن التحضير لهجمات كبيرة يأخذ وقتاً طويلاً
جداً وإن الحرب على الإرهاب قد كبدت قيادة القاعدة كثيراً وقد لا
تستطيع المجموعات المحلية تجاوز العقبات اللوجستية لإعتداء ضخم.
الهجوم بالقنبلة القذرة قد يكون مثل لعب الأطفال إذا ما قورن
بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. في حزيران 2002 القت السلطات
الأمريكية القبض على خوزيه باديلا وهو عضو عصابة سابق من بروكلين
قيل أنه حاول بتكليف من القاعدة أن ينفذ إعتداءً بالقنبلة القذرة.
في أيلول الماضي أوقف البوليس البريطاني أربعة رجال قيل أنهم خططوا
لتفجير قنبلة قذرة في قطار الأنفاق في لندن. لكن المرء لايستطيع أن
يخرج من هذين المثالين بنتيجة لأنه لم يجر إيضاح أي منهما بعد.
وفي الخاتمة: عندما يُسأل المختصون عن إحتمالية الهجوم بقنبلة
قذرة يعطون نفس الجواب دائماً:
"إنها ليست مسألة هل؟، بل متى
وأين سيقع الهجوم؟