بمشاركة أكثر من 7000 عارض
ينتمون إلى أكثر من 100 بلد في العالم أقيمت من التاسع عشر حتى
الثالث والعشرين من تشرين الثاني الماضي في ألمانيا الدورة السابعة
والخمسين لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يعتبر المعرض الأكبر
في العالم للكتاب ووسائل الأتصال، بالأضافة إلى الوسائط المتعددة
(الملتميديا)
وقد شارك في المعرض الذي تم فيه عرض حوالي 100.000
عنوان مايقارب 1000 مؤلف بينهم 40 مؤلفاً من كوريا التي كانت ضيف
المعرض في هذه الدورة حيث جرى تنظيم حوالي 500 أمسية واحتفال حول
ثقافتها وفنونها. وقد تميز ختام المعرض هذا العام بمنح الروائي
التركي أورهان باموك جائزة الناشرين الألمان للسلام. باموك متهم في
بلاده بـ "إهانة الأمة التركية" لأنه وصف ماجرى للأرمن خلال الحرب
العالمية الأولى على يد السلطة العثمانية بأنه جريمة إبادة جماعية.
هنا مقالان مما كتبته وسائل الأعلام الألمانية عن باموك. المترجم
ذوبان نهر الجليد في إسطنبول
وصف موجز لأورهان باموك
بقلم: يورغ بلاث
ترجمة: جواد الساعدي
عن: تاغـَـس شبيغل
(مرآة اليوم)
في شقته الصيفية الواقعة في جزيرة الأمراء
شرفة كبيرة مطلة على بحر أخضر من قمم الأشجار، خلف ذلك يمكن رؤية
البحر الأزرق الكبير ومدينة إسطنبول المنتشرة على التلال. على
اليسار من البسفور تقع أوروبا وعلى يمينه آسيا، وكل نظرة باتجاه
آخر قد لاتكون موضع تفكير هذا الكاتب. أورهان باموك معلم بارع في
بناء الجسور، يفكر بالأختلاف والتناقض بشكل جماعي. كلا، يروي عنهما
بشكل جماعي: أوروبا وآسيا، الشرق والغرب، الحاضر والماضي، التبسيط
والتضخيم، الأصيل والوافد – وغالباً ما يكون ذلك على دفعة واحدة.
هذه المتضادات التي تهدد تركيا بالتمزق يقدمها باموك في أعماله
الروائية مصاغة في مشاهد لاتنسى، لذلك فإن رواياته "القلعة
البيضاء" " الكتاب الأسود" "الحياة الجديدة" "أسمّى أحمر" و
"الثلج" تمثل رحلة ممتدة في قلب العتمة التركية وهي إستعارات مروية
بشكل بارع ليس بين كاتبها وبين التصوف الإسلامي من قرابة إلا
كقرابة توماس مان من الرواية البوليسية، ولكن باموك يعرف التصوف
الإسلامي كما يعرفه دراويش الحلقات و يربط بين المتعة الجذابة
والمتطلبات الأدبية بشكل مدهش.
روايات باموك نشرت في تركيا
ووصلت مبيعاتها حتى 200 ألف نسخة وترجمت إلى 35 لغة. إصدارات غير
عادية نوعاً ما لكاتب شامخ مع إشعاع فتي وضحكة عميقة، متفجرة
ومتدفقة.
أمر لايمكن نكرانه أن أورهان باموك هو أحد أبناء
الجمهورية الأتاتوركية التي إنفصلت عن الميراث العثماني واتخذت من
أوروبا مثالاً لها. ضعف القدرة في المقومات الوطنية الذاتية وإلحاح
الرغبة في معرفة الآخر هي أشياء رضعها باموك مع حليب الطفولة.
كتابه الموسوم "إسطنبول" يبدأ مع مشهد يثير الخوف، مشهد يصور
أورهان البالغ من العمر خمس سنوات وهو يعتقد أن له في مكان ما من
إسطنبول نسخة شبحية تتحرك منفصلة عنه. أورهان الآخر كان يشكل له
عزاء كما كان يشكل تقززا وذعرا في آن معاً.
"إسطنبول" يروي
السنوات الأثنتين وعشرين الأولى من عمر باموك الذي ولد في عام 1952
لأب ميسور ولعائلة طبعت حياتها بالطراز الغربي الأوروبي. دخل
أكاديمية روبرت المرموقة ذات اللغة الأنجليزية ثم درس الهندسة
المعمارية في جامعة إسطنبول التكنولوجية. الكتاب سيرة فكرية ذاتية،
بحث عن الهوية ومقالة في مدينته المحبوبة التي كانت تضم آنذاك
أربعة ملايين وأصبحت اليوم تضم خمسة عشر. باستثناء إقامة في
الولايات المتحدة لم يغادر باموك مدينته أبدا، فحتى السنة الثانية
والثلاثين من عمره كان يعيش مع أمه، غارقاً بين الكتب ودائباً على
الكتابة، في البيت الذي نشأ فيه صغيراً شرق ساحة "تقسيم" في تسفيكي
آفينو. بعض رواياته الأولى ،التي لم تكن حينها مترجمة، كتبت هناك،
ومع روايته "جودت بَيْ وأشقائه" التي تعالج شؤونا عائلية، إنطلقت
شهرته الأولى.
في الثمانينيات من القرن الماضي رافق أورهان
باموك زوجته المتخصصة بالأدب الألماني إلى نيويورك وقرأ هناك بنهم
أعمال الرواد. بورخيس، كالفينو و باينشن علموه إعادة النظر
بالتقاليد الأدبية الخاصة، وقبل كل شئ النظرة إلى التصوف الذي ألقى
عليه المجددون الأتراك الحرم فصنفوه على أنه إسلامي رجعي بينما
الحداثيون في الحقيقة كما المتصوفة ينظرون إلى الوحدة على إنها
وحدة التناقضات.
وهكذا ولد في الولايات المتحدة كاتب جديد، كاتب
يقدم إسطنبول في روايته "الكتاب الأسود" كواقع وكمتاهة في النص،
يجمع بين المعالجة لحدث إجرامي وعمود صحافي ساخر بعمق، كاتب يختلق
جيشا من دمى واجهات العرض التركية وقد تعفنت في غياهب السجون
البيزنطية، لأن جمهورية أتاتورك اختارت أن تقدم نفسها بزي أوروبي.
روايات أورهان باموك تتميز بالغليان، وحدة التناقضات هشة، باموك
يعطي تلك التناقضات مساحتها لأنه، كما يقول "لا أحد يمتلك كل
الحقيقة، أو الحقيقة التي أرغب في التحدث عنها وتحمل معها عوامل
فنائها الذاتية"
تعدد وتنوع الآفاق هذا يمكن ملاحظته في روايات
باموك، حيث لايروي فيها الأحياء فقط قصصهم، مثال ذلك عن التنافس
المميت بين فناني الكتب المصورة الأتراك ورسامي فينيسيا الأيطالية،
إنما أيضاً يتحدث فيها الأموات، إضافة إلى ذلك تتحدث قطعة نقدية،
ويتحدث كلب أو أحد الألوان الذي سمي بإسمه كتاب "أسمّى أحمر"
وكنهر جليدي يذوب تأخذ كتب باموك معها من التقاليد والمعاصرة، كما
من الحلم والواقعية، كل شئ يقع في طريقها وفي ما لا يعد ويحصى من
الطرق الملتوية والمتاهات التي تسلكها بشغف.
مد الجسور بين
الجزئين غير المتجانسين تؤديه الروايات التربوية والروايات
البوليسية، وكذلك رواية إنتقادية ساخرة لا تقل شأناً عن إنتقاديات
توماس مان: مصدر كل الهموم الغربية لدى الأتراك في القصة
الميتافيزيقية "الحياة الجديدة" قد تمثلها الأقوال التي سطرها قبل
عشرات السنين صاحب مصنع حلوى طيب السريرة لقطع الحلوى التي ينتجها
مصنعه من ماركة "حياة جديدة"
أكثر ازدراءً يكاد لايمكن التعليق
على مرحلة ما بعد الأستعمار التي من أجلها يستغل الشرق من قبل
الغرب. وبمثل هذا الأزدراء لم يبق لباموك ،الديموقراطي المقتنع
بأوروبيته، بين القوميين الأتراك سوى صداقات قليلة. فعندما تحدث في
بداية عام 2005 في مقابلة صحفية مع مجلة سويسرية عن قتل الأكراد
والأرمن، إنهالت عليه التهديدات بالقتل، فسافر إلى نيويورك لبضعة
أشهر تلبية لدعوة من جامعة كولومبيا.
في كانون الأول القادم
سيمثل باموك أمام محكمة في إسطنبول بتهمة تحقير "الهوية التركية"
وإذا لم تبلغ العقوبة ثلاث سنوات فإنه ربما يتوجب علينا الحديث عن
مزحة رديئة.
ألم يظهر هذا الروائي للتو في روايته "الثلج"
المترجمة مؤخراً إلى الألمانية تعاطفاً كبيراً مع العلمانيين
والأسلاميين والأكراد الذين يتقاتلون في مدينة كارس على حدود
الأناضول؟
"بطل روايتي الشاعر (كا) يشارك الجميع همومهم" يقول
باموك ويضيف: "يريد أن يفهم ويستوعب كل البلاد"
"الثلج" تروي عن
رد الفعل الطبيعي في البلاد على التناقضات الحادة، فعندما غطى
الثلج المدينة وانقطعت بها وإليها السبل إرتقى ممثل مسرحي سدة
الحكم ليصبح دكتاتوراً لبضعة أيام، وخلال المهزلة الدموية أصبح في
يد الرائح الغادي بين طرفي الصراع الشاعر (كا) شيئاً فشيئاً ثماني
عشرة قصيدة تحتوي، كما يعتقد هو، على لغز البلاد.
"الثلج" ترسم
في شريط سينمائي مشهدا عاماً للبلاد، وهي، كالروايات الأخرى لهذا
الرجل، تمجيد للأدب. وحدها تستطيع أن تربط الأطراف المتناقضة. ومن
يعتبر ذلك إستسلاما للمقادير ليس إلا، مازالت أمامه الفرصة ليقرأ
أورهان باموك.